غرور الجرح..m-sh مشرفه
الدوله : الاوســــــــمـــــــــه : [URL="http://www.up-00.com/"][/URL]
| موضوع: قصة قصيرة من السودان بعنوان "يا رب" الخميس أكتوبر 24, 2013 1:41 am | |
| قـصَّـة قـصـيرة من السودان
يا ربّ
في تلكَ القريةِ النائيةِ جنوبَ شندي ، عاشَ هاشمٌ وزوجتُهُ نفيسةُ وأطفالُهُ الثلاثة . كانَ هاشمٌ مزارعاً كادحاً في أرضِهِ الصغيرة ، يزرعُ البصلَ والطَّماطمَ ، وشيئاً مِنَ الخضرواتِ لتُغطِّي حاجةَ بيتِهِ الصَّغير. سَمِعَ منَ النَّاسِ بظهورِ الذَّهبِ في منطقةِ (أبو حمد)، فاستأذنَ مِنْ زوجتِهِ وخرجَ إليهِ . تركَ لعيالِهِ مَا يكفيهِمْ مِنَ الـمَالِ لستَّةِ أشهرٍ وخرجَ . عاشَتْ نفيسةُ بعدَهُ شهراً بِلا مَشاكل . ولكنْ مَا أنْ فتحتِ المدرسةُ أبوابَها ، حتَّى بدأتِ الأمورُ تتصعَّبُ ، فالصَّغيرةُ بنازيرُ تحتاجُ خمسينَ جنيهاً رسومَ قبولِها بالصَّفِّ الأوَّل ، هَذَا غيرَ اللِّبسِ والأدواتِ المدرسيَّةِ لها ولأخَوَيْهَا .وهكذَا حينَ استقرَّوضعُ ثلاثتِهم في مدرستِهم ، لمْ يبقَ لها مِنَ المالِ مَا يكفيها بقيةَ المدَّة حتَّى يرجعَ زوجُها . فحاولتْ بشتَّى الطُّرقِ أنْ تتَّصلَ بِهِ ، ولمْ تنجحْ لسوءِ الشَّبكةِ في تلكَ المنطقةِ الخلوية . وحمَلَتْ نفيسةُ همّاً لِمَا يُمكنْ أنْ يحدثَ إِذَا انقطعَ المال . وصارَتْ تفكِّرُ في حلٍّ سريع ، فلمْ تجدْ لها ولأطفالهِا حلاً سِوَى الاقتصادِ في الصَّرف ، ولكنْ كيف ! ربَّما تصبرُهيَ على وجبةٍ أو وجبتينِ في اليوم ، أمَّا الأطفالُ فماذنبُهم؟ وهكذَا صارَتْ تنظرُ إلى المستقبلِ بعينٍ مُتخوِّفة . مرَّ شهرٌ وشهرٌ وثالث ، ونفيسةُ تقتصدُ فيمَا بقيَ لَها مِنَ المصاريفِ قدرَ ما تستطيع ، وكادَتْ تنجحُ لولا ارتفاعُ الأسعارِ المفاجيءُ منذُ الشَّهرِ الثَّالث . الآنَ وقدْ تبقَّى مِنَ الشَّهرِ الأخيرِ نصفَهُ ، وذهبَ المالُ ولم يبقَ منهُ شيءٌ ، وليسَ عندَها في البيتِ سِوى بضعِ بـصلاتٍ ، وقليلٌ مِنَ الصَّلصةِ المجفَّفةِ ، ونصفَ رطلٍ مِنَ السُّكَّر ، وحِفنةٍ من دقيقِ الذُّرةِ تَكفِي لوجبةٍ واحدةٍ لأطفالهِا فقطْ ؛ فقدْ استلقَتْ علَى سريرِها تحتَ ضوءِ القَمر ، ونسماتِ اللَّيلِ الباردة ، تفكِّرُ في حلٍّ سريعٍ لهذِهِ المعضلة . يا الله ! ماذا تفعل ؟ كيف تتصرَّف ؟ لمْ تستطعِ النَّومَ في تلكَ اللَّيلةِ حتَّى طلعَ الفجر ، وقد تواردتْ على عقلِها أفكارٌ شتَّى ، لكنَّها لم تطمئنَّ لشيءٍ منها : فأنْ تمدَّ يدَها وتسألَ النَّاس ، هذا ما لنْ يكونَ ولوْ ماتتْ منَ الجوع . وأنْ تستلفَ منَ الدُّكانِ ، فلنْ يُسلفَها ؛ لأَنَّها أكثرتْ ولا شيءَ يضمنُ حصولَها علَى مالٍ تقضِي منْهُ الدَّيْن . وأنْ تأخذَ أطفالَها وتذهبَ إلى أختِها الوَحيدةِ في القريةِ المجاورة ، فلا لأنَّ أختَها أسوأَ حالآً مِنها ، وهِيَ محمولةٌ بتسعةِ أطفال . وأنْ تذهبَ إلى فلانٍ أو عِلَّانٍ لتستلفَ منهُ ، لا .. فكثيرونَ يتربصونَ بِها مُذْ زواجِها من هاشم ، ولوْ علمُوا بحوجِتها للمالِ لضيَّقُوا عليهَا ليصِلُوا إلى مُبتغاهم ، وهِيَ أشرفُ مِنَ الشَّرف . أمَّا الجيرانُ فمَا كانُوا ليُقصِّرُوا ، لولا أنَّهم في مثلِ حالِها ، يَقسمونَ الوجبةَ يأكلونَ نصفَها ويرفعونَ نصفَها إلى وقتِ الوجبةِ الأخرى . فلمَّا أعياهَا أمرُها ، وأرادتْ أن تنامَ قليلاً علَّها تنسَى همَّها ، سمِعَتْ صوتَ المؤذنِ يُنادي لصلاةِ الصُّبح ، فنَهضتْ وصلـَّت. ثمَّ جلسَتْ في مُصلَّاها تَدعُو ربَّها أنْ يُفرِّجَ عنها حتَّى طلعتِ الشَّمس . وفي الصَّباحِ صنعَتْ لأطفالِها شايَ الصَّباح ، وألبسَتهم وأرسلَتهم إلى المدرَسة ، ولمْ تُظهرْ لهمْ أيَّ شيءٍ منَ الهمِّ أوِ الحزن ، رغمَ أنَّ قلبَها يكادُ ينفطرُ منَ الحزنِ عليهم ؛ فوجبةُ الإفطارِ التي سيتناولونها حينَ يأتونَ للأفطارِ هي الأخيرة . فماذَا بعدَ ذلك ؟ ! خرجَ الأطفالُ إلى المدرسةِ وتركُوها وحدَها في البيت . خرجَت وأحضرَت الحطبَ والدُّموعُ تسيلُ غِزاراً مِنْ عينيْها ، وصَنعَتِ الطَّعامَ لأطفالِها بكلِّ ما بقِيَ معَها مِنْ دقيقٍ وبصلٍ وصلصة ، وبدونِ زيت . انتظرَتْ وصولَهم للأفطارِ وهِيَ تَبكي . وحينَ سمعتِ البابَ يُفتحُ ، ويُنادي عليها ولدُها عُمر ،مَسحَتْ دموعَها وخَرجَتْ إليه مِنَ المطبخ ،فإِذا بهِ يخبرُها أنَّه أحضرَ اليومَ معه ضيفاً ، وهمَّتْ بأنْ تزجرَه لولا أنْ سمعته يقولُ : " اتفضَّلْ يا حضرةَ المدير " . دخلَ المديُر وسلَّمَ عليها ، فردَّت عليهِ السَّلامَ ورحَّبَتْ بهِ . وأدخلَته معَ ولدِها عُمرَ إلى الصَّالون ، ورجعَتْ إلى المطبخ . لاحولَ ولا قوَّةَ إلا بالله ! ماذا تفعلُ الآن ؟ هذا مديرُ المدرسةِ حلَّ ضيفاً عليها ، وليسَ عندها ما تُقدِّمُه ، ولمْ تَسترسِلْ في تفكيرِها بعيداً إذ طُرِقَ البابُ وسَمِعَتِ المديرَ يقولُ : "اتفضَّلوا يا أساتذة ، نحنَ الليلة في ضيافة ابننا عُمر ، اتفضلوا ". لا إلهَ إلا الله ... والأساتذة أيضاً ! ودَّت لو أنَّها ما باعَتِ المعزةَ الوحيدةَ في البيت ، لكانَتْ ذبحتَهْا إكراماً لضيوفٍ كِرام .أمَّا الآنَ ولا شيءَ في البيتِ فمَاذا تفعل ؟ ليتَ الأرضَ نتنشقُّ وتبلعُها ! ولمْ تجدْ لها مخرجاً سِوى أنْ ترفعَ يديها إلى الله تسألُهُ الفَرَج . ومَا أَنْ رفعَتْ يدَيْها وقالَتْ " يا رَبّ " حتَّى دخلَ عُمرُ يحملُ جركانةَ زيتٍ ملأَى . فجعلتْ تنظرُ وقدْ تسمّـرتْ قدمَاهَا ، وفَغَرَتْ فَاهَا ، واتَّسَعَتْ حَدَقَتاهَا . ثمَّ قالَ عُمر:" يا أَولاد براحة ، أوعكن يقع منَّكن " . ودخلَ أربعة أولادٍ يحملونَ جوالاً منَ الدَّقيق ، ومَا تزالُ هيَ علَى حالِها ، ثُمَّ دخلَ آخرُ يحملُ كرتونةً ، وآخرُ يحملُ كرتونةً ، وما تزالُ هيَ على حالِها . ثُمَّ خرجَ عُمرُ ودخلَ الصَّالونَ وعادَ يحملُ مظروفاً ، وهيَ ما تزالُ واقفةً مكانَها ، غيرَ مصدِّقةٍ لما ترَى ، فمَدَّهُ إليها وقالَ لها : " ده من المدير " . فَأخذتهُ وفتحَتهُ ، ووجدَتْ بهِ مبلغاً مِنَ المال ، وخرجَ عُمر . فخرَّتْ ساجدةً لربِّهاشكراً ، والدُّموعُ تَنهمرُ مِنْ عَينَيْها . صنعتِ الطَّعامَ لضُيوفِها ، بعدَ أنْ نادَتْ علَى جارَتيْها فساعدَتاهَا ، حتى قامَتْ بالوَاجبِ تاماً كاملاً تجاهَ ضُيوفِها الكِرام . وحينَ أرادُوا الخروجَ وودَّعُوهَا ، استوقَفَتِ المديرَ وسألتهُ سببَ هذا العطاءَ ، فأخبرَها أنَّ احدَ المحسنينَ من بلدٍ عربي أرسلَ لهُ مالاً كثيراً منذُ مُدَّة ، واستأمنهُ علَى إنفاقِهِ في سبيلِ الله ، ومُذ جاءَ إلى قريتِهِمْ صارَ يُفكِّرُ في أداءِ هذهِ الأمانةِ بِمَا يُرضِي الله ، ففرَّقَ الماَل علَى ثلاثِ أسرٍ : أسرتَها وأسرَةَ أبناءِ مُحيِي الدِّين ، أولئكَ الأيتامِ الَّذينَ تُوفِيَ أبوهم ، ولمْ يتركْ لهُمْ مُعيلاً سِوي أُمِّهم . وأسرةَ خيرَالله ذاتِ الأولادِ السَّبعة ، والبناتِ الأربعة ، وأَبُوهُم مزارعٌ بسيط ، بالكادِ يُغطي حاجاتِهم . فشكرَته على ذلك ، ودَعَتْ لهُ دعاءً كثيراً . وخرجَ المديرُ والمعلمونَ وتركُوها مع جارَتَيْها ، فأفطرَتْ معَهُنَّ أفضلَ فُطورٍ ذاقَتهُ منذُ أَنْ سافرَ زوجُها . وحكَتْ لهنَّ ما مرَّتْ بهِ ، وكيفَ أنَّ الله أنقذها ورزقَها مِنْ حَيثُ لمْ تحتسبْ أبداً . وقَسمَتْ لكلِّ واحدةٍ منهُنَّ مِنَ الَّذي جَاءَها . وعادَتْ لها البسمةُ مِِِِِِِِنْ جديد بفضلٍ منَ الله ورحمة . فالحمدُ لله ربِّ العالمين .
| |
|
محمد عضو فضي
الدوله : الاوســــــــمـــــــــه :
| موضوع: رد: قصة قصيرة من السودان بعنوان "يا رب" الثلاثاء أكتوبر 29, 2013 4:46 am | |
| | |
|
غرور الجرح..m-sh مشرفه
الدوله : الاوســــــــمـــــــــه : [URL="http://www.up-00.com/"][/URL]
| موضوع: رد: قصة قصيرة من السودان بعنوان "يا رب" الثلاثاء نوفمبر 26, 2013 2:07 am | |
| | |
|